حفيد سندباد

ما أن نسمع اسم سندباد حتى تتعلق بأذهاننا واحدة من حكايات ألف ليلة وليلة. يأتي الرحالة الصغير وعصفورته ياسمينة وصديقه علي بابا ليسيطروا على مشهد ترسمه الذاكرة في غمضة عين.

وإن كنت قد عشت في اليمن فهناك شيء آخر لا علاقة له بالأدب ولا بالرحالة سيتبادر إلى ذهنك حالما تسمع اسم سندباد!

حفيد سندباد، هو عمل روائي لأحد أهم الكتاب اليمنيين، البرفسور في علم الكمبيوتر حبيب عبد الرب سروري.

ولد سروري عام 1956، لأسرة متدينة لها اهتمامات أدبية، فدرس قواعد اللغة وبلاغتها وبعض كتب التفسير والحديث. وبعد تخرجه من الثانوية العامة في عدن، توجه لفرنسا للدراسة الجامعية وتخصص في علوم الكمبيوتر.

هذا الفيوجن أو الدمج ما بين الأدب والعلوم، الوطن والغربة، الاستعمار والاستقلال، وغيرها من الثنائيات المتضادة، كانت سببا في خلق روائي مختلف عمّن قد نجدهم اليوم في الساحة العربية.

لسروري العديد من الروايات، منها طائر الخراب، أروى، الملكة المغدورة، ابنة سوسلوف، التي اختيرت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2015، وغيرها.

السرد في حفيد سندباد يجعلها واحدة من أهم روايات الأدب العربي الحديث. رواية ما بعد الحداثة التي تتصل مع الماضي والواقع بعقلانية وتشكل أسلوبا أدبيا قادرا على مخاطبة جيل الديجتال وجيل سندباد البحري في آن.

في الرواية يقدم لنا الكاتب نسخة حديثة من سندباد، رحالة يعشق التكنولوجيا والسفر ويعيش على كليهما.

نادر الغريب، الشخصية الأهم في الرواية، قد يكون رمزا للحرية بمعناها الأكثر انفتاحا، فبالرغم من المعاناة التي مر بها، إلا أنه استطاع التغلب على حزنه وخلق له عالمه الخاص عبر الترحال ومشاركة الآخرين علمه وذكرياته دون مقابل.

حفيد سندباد هو عمل روائي لأحد أهم الكتاب اليمنيين

وبينما يتعقب راوي القصة اليمني الذي يعيش في شتات مع صديقه الآلي حياة نادر الغريب، يفتش في داخله أيضا عن الفرص الضائعة والحب المفقود والوطن الجائر. وكأنه يحاول إخبارنا بأنه لا صديق لليمني في بلده أو غربته ولا حظ سوى حظه العاثر والعلم.

سيحتال عليك الراوي من السطور الأولى للرواية. تنتظر انتحاره ثم تنتظر قيامته وما من شيء يحدث له. يسرد تفاصيل تبدو وكأنها تنساب من الذاكرة لا من الخيال وتقرر أنها سيرة ذاتية. ويتماهى مع خيالك ليسلبك تلك التساؤلات التي تنتقل معك من صفحة لأخرى. لكن ما يهمك وأنت تقرأ الرواية هو متابعة ذلك السرد السلس الذي يسير بك في اتجاه واحد كجدول ماء من عين صافية.

يفتتح الرواية بذكر الحدث الذي سيقوده للسرد لما يزيد عن مئتي صفحة. ولن تشعر أنت كقارئ أو شاهد، إن صح لي القول، بهذا العدد، ستلتهم الصفحات بسرعة بالشغف نفسه الذي كنت تقرأ به في طفولتك أو أيام المراهقة. شيء ما بجانب الحبكة لن تعلم ما هو على وجه الدقة سيثير نهمك لمتابعة الرواية بنفس واحد.

ستتعرف على بهلول ولا بد سيصبح مقرباً منك أنت أيضاً، ستشعر بالذعر قليلاً عندما يطالب بتغيير اسمه، لكن الكاتب سينتشلك إلى الحكاية مرة أخرى. هكذا طوال الرواية، سيضع الكاتب كل المخاوف التي نعيشها أو التي سنواجهها في المستقبل القريب جداً، يضعها أمامك عارية بلا رتوش.

ستشعر بالبرد القارس، بألم الفراق، بوجع الفقد، وستشعر بالحرب تأكل من أوصالك، لكن كما قلت لا تقلق، لن تنتهي الرواية إلا وقد شفيت بصورة ما.

سيخبرك عن الخطر الذي يحدق بالبشرية، عن الحروب التي خاضها الإنسان في بقاع مختلفة، عن الحروب التي ما زالت قائمة، ومع ذلك سيُبقي لهفتك متقدة. كما قلت سينتشلك ويعيدك إلى مرماه في كل مرة دون أن تفقد شهيتك أو يفقد هو قارئه.

العلاقة ما بين الراوي والنص تبدو على نحو ما كالعلاقة ما بين القارئ والنص، يبدو كأنه يخبرك بكل ما يريد قوله، ويبدو أيضا أنك تقرأ ما تريده أنت. نادرا ما ينجح الكاتب في سبر أغوار قارئه، في سلبه حرية مواصلة القراءة. كما أنه لن يخذلك حين تصل للنهاية، لن تشعر أنه استعجل مثلا أو أنه أبطأ، ستشعر بالرضا التام. كأنه أمر حتمي، أن تبدأ معه وتنتهي معه.

ستشعر بالبرد القارس، بألم الفراق، بوجع الفقد، وستشعر بالحرب تأكل من أوصالك، لكن كما قلت لا تقلق، لن تنتهي الرواية إلا وقد شفيت بصورة ما.

سترى على نحو جلي عددا غير معقول من المصادفات التي تجمع بينك أنت والنص، ليس لأنك ربما تعرف الكاتب أو لأنك عشت في زمن مشابه، لكن لأن هذه هي الحياة. تبدو متشابهة على نحو مريب حتى إن اختلف الزمان أو المكان كما في النص، تبقى المشاعر هي التي تشكلنا وتصنع الفرق في جعلنا متشابهين حتى لو كنا من معدن!