
عندما سافر ماجد ورنا عبر إبريق الشاي، الذي لطالما اعترض بصوته المستفز قائلاً إنه آلة زمن، كنا نحن كأطفال نؤمن بخرافة السفر عبر الزمن ونتمنّى في الوقت ذاته لو أنها حقيقة.
رحلة عنابة؛ تلك الأميرة الساذجة التي أتعبتنا ترقّباً متى يعود الأبطال لزمنهم، بينما هم ينتقلون من زمن لآخر بحثاً عنها.
كرتون ياباني آخر يعلم الطفل أنه لا وجود للمستحيل ويعلمه كيف يقدّر العلم. بداية من أول حلقة كان التركيز على الطفلين ماجد ورنا، وهما يجمعان التبرعات لمدرسهم المخترع الذي فشل كثيراً قبل أن يخترع تلك الآلة العجيبة.
كبرنا ونحن نعتقد أن الزمن يسير في خط مستقيم في اتجاه واحد فقط. ولذلك كان الانتقال عبر الزمن محض خيال. ثم أخبرتنا الفيزياء بإمكانية حدوث ذلك وطرح إينشتاين نظريته الخاصة ووضع ستيفن هوكينغ نظرية أخرى، لكن التطبيق يبدو مستحيلاً، على الأقل في الوقت الحالي أو المستقبل القريب.
لقد تعلمنا أن الأسطورة محض خيال، وأن العلم هو الدليل القاطع. ثم رأينا العلم يصادق الأسطورة، والخيال يتحول إلى حقائق، والمستحيل يصبح ممكناً. تقف في أرض بعيدة عن بلادك آلاف الكيلومترات بدون فارق زمني في الوقت، لكنك تعلم يقيناً أنك تعيش في عصر مختلف. تتقدم الأمم نحو المستقبل وتسافر بلادك إلى الماضي البعيد. وتقف أنت بين الأسطورة والعلم كتفسير منطقي للظاهرة المستحيلة.
تقرر أنك ستترك ماضيك وتنتبه لمستقبلك، لكنك تفاجأ بالماضي يعود إليك في كل مرة مهما حاولت إخفاء طريقك عنه. ذلك أنه لا حاضر ولا مستقبل لك بدون الماضي.
أنت هو وأشياء أخرى كثيرة لا يستطيع الضوء أن يعكسها لك لتراها. هذه هي وظيفة الذاكرة وهذا هو الزمن، بعدك الرابع.
تحاول أن تتنصّل من حياة سابقة وتبدأ من جديد لكنك تفاجأ بأنك أصبحت غير مرئي. هذا لأنك لست مجرد طول وعرض وارتفاع، أنت لست ذلك الآخر الذي يقف أمامك عندما تمر بجانب المرآة كل صباح. أنت هو وأشياء أخرى كثيرة لا يستطيع الضوء أن يعكسها لك لتراها. هذه هي وظيفة الذاكرة وهذا هو الزمن، بعدك الرابع.
إبريق شاي لتنتقل عبر الزمن يبدو أمراً فكاهياً، لكنك في أحيان كثيرة لا تحتاج سوى إلى رائحة فنجان قهوة أو مذاق قطعة خبز لتعود بك الذاكرة إلى الماضي، أو فيزا للسفر إلى المستقبل، إن كنت ممن ولدوا في الجانب الخاطئ من الخريطة.
ربما لن تجد الحسناء عنابة أو الحاكم شهدان، لكنك لو زرت اليمن فلا بد ستلتقي بوردان. وردان الذي سيحاول سرقة آلة الزمن خاصتك، سواء كانت إبريق شاي أو رائحة حبيب أو حلماً بمستقبل يوازي حاضر آخرين. لن يحتاج العلم إلى أن يحارب الأسطورة بل سيدعم مصداقيتها عندما يصادف وردان الذي لألف عام يعيد تلك البلاد التي ظلمتها الجغرافيا إلى الماضي كلما وضعت قدماً نحو الحاضر.
إبريق شاي لتنتقل عبر الزمن يبدو أمراً فكاهياً، لكنك في أحيان كثيرة لا تحتاج سوى لرائحة فنجان قهوة أو مذاق قطعة خبز لتعود بك الذاكرة إلى الماضي.
لكن الأسطورة في الوقت ذاته ستجد نفسها لأول مرة غير قادرة على حفظ حكاية وردان وستخضع للعلم كي يمحي أثره من الوجود إلى الأبد. ذلك لأن الأسطورة تتمثّل في خيالات عظيمة ووردان اليمن ليس سوى صدفة زمنية طارئة وسيبتلعه ثقب أسود ويعيده إلى الجحيم الذي أتى منه.
في المرة المقبلة عندما تقف أمام المرآة وتنظر نحو الآخر الواقف أمامك، ترتب شعره وهندامه وتتركه في كامل أناقته وتمضي، لا تعلم كيف تبدو أنت؛ ولا كيف يبدو شكلك ولا كم من العمر تحتاج لتتعرف عليك، لتعرف ذاتك بدون الحاجة إلى الوقوف أمام سطح جامد تذكر رحلة عنابة، واصنع إبريقك الخاص الذي ينقلك من متاهات روحك إلى متسع الحياة.
وحتماً ستصل...